- يتحدث الكاتب عن ذكرياته عن يوم مجهول، لا يتأكد من تحديد وقته ولكنه يرجح أنه كان فى فجر ذلك اليوم أو فى عشائه لأن (أ) هواءه كان باردًا (ب) ونوره هادئًا خفيفًا (جـ) وحركة الناس فيه قليلة ويتذكر الصبى أسوار القصب التى لم يكن يقدر أن يتخطاها ويحسد الأرانب التى كانت تقدر على ذلك فى سهولة.
- كما كان يذكر صوت الشاعر بأناشيده العزبة وأخباره الغريبة والتى كانت أخته تقطع عليه استمتاعه بها عندما كانت تأخذه بقوة وتدخله البيت لينام بعد أن تضع له أمه سائلاً فى عينيه يؤذيه ولكنه يتحمل الألم ولا يشكو ولا يبكى ثم تنيمه أخته على حصير وتلقى عليه لحافًا وهو لا يستطيع النوم خوفًا من الأوهام والتخيلات التى كان يتصورها من الأشباح.
- ويستيقظ من نومه المضطرب بأعلى أصوات النساء يعدن وقد ملأن جرار الماء فجرًا، فتعود الضوضاء إلى المنزل، وهو يصبح عفريًتًا أشد حركة ونشاطًا مع إخوته.
==================
- كان مفهوم الصبى عن القناة (الترعة التى فى قريته) فى ذهنه عالمًا مستقلاً عن العالم الذى يعيشه، تعمرها كائنات غريبة من التماسيح التى تبتلع الناس، ومنها المسحورون الذين سحرهم الجن فى خيال أهل الريف، ومنها أسماك ضخمة تبتلع الأطفال، وقد يجد فيها بعضهم (خاتم سليمان) عندما يديره بأصبعه يحقق له خادماه من الجن ما يتمناه.
- فكثيرًا ما تمنى الصبى أن تلتهمه سمكة من هذه الأسماك فيجد فى بطنها هذا الخاتم لكن هناك أهوال كثيرة تحيط به قبل أن يصل إلى هذه السمكة ولكن حقيقة هذه القناة التى لم يكن بينها وبينه إلا خطوات أن عرضها ضئيل يمكن أن يقفزه شاب نشيط، ويمكن أن يبلغ الماء إبطى الإنسان وأنه ينقطع عن القناة من حين لآخر بحيث تصبح حفرة مستطيلة يبحث الأطفال فى أرضها اللينة عن صغار السمك الذى مات لانقطاع الماء.
- كانت هناك أخطار حقيقية حول هذه القناة يشهدها الصبى فعن يمينه جماعة (العدويين) الأشرار وعن شماله (سعيد الأعرابى) و(امرأته كوابس) يتذكر كل ذلك عندما عبر القناة على كتف أحد إخوته وأكل من شجر التوت، كما أكل التفاح وقُطِف له النعناع والريحان.
====================
- كان الصبى يعيش فى أسرة كبيرة تصل إلى (ثلاثة عشر فردًا) وكان لا يستطيع أن يحكم على منزلته بينهم، فكان يجد فى أبيه لينا ورفقًا ومن أمه لينا ورحمة، ومن إخوته الاحتياط فى معاملته وكان هذا يضايقه وكان يرى من أبيه وأمه إهمالاً وغلظة أحيانًا.
- إحساس الصبى واكتشافه سبب هذه المعاملة بعد ذلك وأنهم يكلفون بأشياء لا يكلف بها مما جعله فى حزن صامت حتى علم الحقيقة وأنه (أعمى).
=======================
- حفظ الصبى القرآن ولم يتجاوز التاسعة من عمره وفرح باللقب الذى يطلق على كل من حفظ القرآن وهو (الشيخ) وكان أبواه يلقبانه بهذا اللقب إعجابًا به، وكان الصبى ينتظر شيئًا آخر من مظاهر المكافأة وهو لبس العمة والقفطان.
- والحقيقة أنه لم يكن مستحقًا لذلك، لأن حفظه للقرآن لم يدم طويلاً لأنه لم يداوم على مراجعته ، وكان يومًا مشئومًا عندما امتحنه والده فى حفظك وتأكد أنه نسيه تمامًا، فغضب من نفسه وغضب عليه سيدنا، وأخذ الصبى يتساءل: أيلوم نفسه أم يلوم والده؟ أم يلوم سيدنا لأنه أهمله؟
=========================
- فرح سيدنا بالصبى عندما شرفه أمام والده بحفظه القرآن بعد أن نسيه وكان خائفًا أن يخطئ الصبى، وأعطاه والده الجبة وأخذ سيدنا على الصبى عهدًا أن يقرأ على العريف ستة أجزاء من القرآن فى كل يوم فور وصوله إلى الكُتَّاب حتى لا ينسى مرة أخرى، ودعا سيدنا العريف، وأخذ عليه العهد أن يسمع للصبى ستة أجزاء من القرآن الكريم يوميًا.
==================
- قرر والد الصبى أن يأتى له بفقيه آخر يحفظه القرآن فى البيت فكان الصبى يقرأ عليه القرآن ساعة أو ساعتين يوميًا ، يتفرغ بعدها للَّعب وعندما يأتى إليه رفاقه من الكتاب لزيارته بعد انصرافهم ويصفون له ما حدث فى الكُتَّاب كان يذم سيدنا والعريف ويظهر ما فيهما من العيوب ظنًا منه أنه لن يعود إلى الكُتَّاب مرة أخرى وأنه سوف يذهب مع أخيه إلى الأزهر.
- ولكن بعد توسل سيدنا لوالد الصبى عاد إلى الكُتَّاب ونال من اللوم والتأنيب كثيرًا على ما ارتكب من أخطاء فى حق سيدنا والعريف.
- وقد تعلم الصبى دروسًا كثيرة من هذا الموقف منها:
أ) الاحتياط فى اللفظ وعدم الاطمئنان إلى وعد من الوعود.
ب) الصبر على مضايقة اخوته له وشماتتهم فيه فسوف يذهب إلى الأزهر بصحبة أخيه الأزهرى.
===============
- لم تتم فرحة الصبى بالذهاب مع أخيه الأزهرى إلى القاهرة فبقى سنة أخرى لأنه كان صغيرًا لا يتحمل المعيشة فى القاهرة وتغيرت حياته قليلاً فقد كُلَّف بحفظ (ألفيه ابن مالك ومجموع المتون) وغيرها من الكتب استعدادًا لدخوله الأزهر، وكان يفخر بهذه الكتب لأنها ستؤهله أن يكون عالماً له مكانة مرموقة مثل أخيه الشيخ الأزهرى الذى كانت القرية كلها تقدره وخاصة فى احتفالات مولد الرسول صلى الله عليه وسلم - وتجعله خليفة يخرج على الناس وهم يحيطون به من كل جانب على فرس مزين يطوفون به القرى فى مهرجان رائع وكل ذلك لأنه أزهرى قد قرأ العلم وحفظ القرآن.
===============
- كان لعلماء الدين فى القرى منزلة كبيرة تفوق منزلتهم فى القاهرة تبعًا لقانون العرض والطلب وكان هؤلاء العلماء الرسميون فى المدن هم:
أ) كاتب المحكمة الشرعية (حنفى المذهب)
ب) إمام المسجد (الشافعى المذهب).
ت) وشيخ آخر (مالكى المذهب).
- كانت ملامح كاتب المحكمة: غليظ الصوت مرتفعه قصيرًا ضخمًا لم يفلح فى أخذ المؤهل العالى من الأزهر (العالمية)، وكان حنفى المذهب، وكانت المنافسة قوية بينه وبين الفتى الأزهرى وخاصة فى الخطبة والصلاة بالناس يوم الجمعة.
- وكان إمام المسجد (الشافعى المذهب) معروفًا بالتقى والورع يقدسه الناس ويتبركونه به ويلتمسون منه قضاء حاجاتهم وشفاء مرضاهم.
- أما (الشيخ الثالث) فكان تاجرًا يعمل فى الأرض ويعطى دروسًا فى المسجد هؤلاء هم العلماء الرسميون أما العلماء غير الرسميين المؤثرين فى عامة الناس ومنهم (الخياط) فكان بخيلاً جدًا يحتقر العلماء الذين يأخذون علمهم من الكتب لأنه كان يرى أن العلم الصحيح هو (العلم اللدنى) الذى يأتى إلى العلماء بالإلهام من الله.
- كان الصبى يتردد على هؤلاء العلماء جميعًا، وكان لهم تأثيرهم الكبير فى تكوينه العقلى ولا يخلو ذلك من اضطراب واختلاف فى التكوين.
================
- بدأت الآلام والمصائب تعرف طريقها إلى أسرة الفتى، وبدأت هذه المصائب بموت أخته الصغرى التى كانت مصدر البهجة للأسرة.
- أخذت الكوارث والمصائب تتوالى على الأسرة فقد الشيخ أباه وفقدت أم الصبى أمها الفانية العجوز وكانت آخر المصائب وأشدها إيلاماً للأب والأم موت ابنها الشاب الذى كان يتهيأ لدخول مدرسة الطب فقد أصيب مع من أصيب بالكوليرا وعانى منها معاناة أليمة مزقت قلب الأسرة كلها طيلة حياتها وعودها أن تعبر النيل إلى مقر الموتى من حين لآخر، وكانت من قبل تعيب الذين يزورون الموتى!
- من ذلك اليوم تغيرت نفسية الصبى حزنًا وكمدًا، وقضى حق الوفاء لأخيه فألزم الصبى نفسه أشهرًا بأن يصلى الفرض مرتين ويصوم فى العام شهرين له ولأخيه وأن يتصرف على روحه ويطعم الفقراء واليتامى، ويقرأ القرآن ويهب ثوابه لأخيه، وما غير سلوكه هذا إلا حين ذهب إلى الأزهر.
======================
- كان الشيخ والد الصبى يتمنى ويقول له: "أرجو أن أعيش حتى أرى أخاك قاضيًا وأراك صاحب عمود فى الأزهر..." وجاء اليوم الذى ينتظر فيه الصبى تحقيق هذه الأمنية عندما قرر الوالد سفر الصى إلى القاهرة.
- وفى المحطة جلس الصبى حزينا منكس الرأس يتذكر أخاه الذى فقده شاباً عندما أصابه مرض (الكوليرا) ووالده وأخون الأكبر يشجعانه على السفر وتحمل المسئولية.
- وفى القاهرة وجد نفسه مع جماعة المجاورين، ويصلى الجمعة فى الأزهر ويسمع الخطيب ويحضر بعدها درسًا على شيخ أخيه الذى كانت الأسرة تعرفه والذى كان والده دائم السؤال عنه وعن درسه وعدد الطلاب فى حلقته.
===================
- طفولة ابنته البريئة وسذاجتها، ومرحلة عمرها التى تتميز بحب الأطفال لآبائهم وأمهاتهم واتخاذهم مُثُلاً عليا فى الحياة يعتدون بهم ويفخرون بأعمالهم.
- يتحدث الكاتب مع ابنته عن الجهد الذى تحمله فى طفولته ولكنه يخفى بعضًا من مراحل حياته حتى لا يفتح إلى قلبها الساذج، ونفسها الحلوة بابًا من الأحزان.
- يذكرها بجلوسها على حِجْرة واستماعها لقصة (أوديب ملكًا) وبكائها بعد أن رأت (أوديب) كأبيها أعمى قد فقأ عينيه لا يستطيع أن يهتدى وحده إلى الطريق.
- حديثه عن مرحلة طفولته البائسة دون يثير فى نفسها حزنًا فقد تحدث عن شكله ولبسه الفقير جدًا وطعامه الدائم (خبز وعسل أسود) وأنه كان متقبلاً ذلك فى رضا.
- حتى تغيرت حياته تغييرًا كاملاً فأصبح كما هو الآن، والسر فى ذلك هو (أُمها الملاك) الذى بدَّل حياته من البؤس واليأس إلى النعيم والسعادة.
- أوديب: ملك طيبة فى الأساطير اليونانية القديمة ويقال إنه قتل والده وتزوج بأمه دون أن يدرى صلته بها وأنجب منها ولدين وبنتين إحدهما تسمى (أنتيجون) وعندما عرف ذلك فقأ عينيه وهام على وجهه فى الأرض ندمًا على جريمته.